نادراً ما شهد الأدب الفرنسيّ كاتباً بمثل تعدّد ميول تيوفيل غوتييه وتنوّع الأنماط الأدبيّة والفكريّة التي مارسها وترك في كلّ منها أكثر من عمل فاتن شديد التأثير. كان شاعراً وروائيّاً وقاصّاً وكاتباً مسرحيّاً وناقداً عُرفَ بمتابعاته الحاذقة لجديد الآداب والفنون، وقصص رحلاته الشهيرة التي توقف القارئ على رؤيته المتفرّدة والمتبحّرة في معاينة البلدان التي يزورها شرقاً وغرباً، ومتابعاته المرهفة للأعمال الأدبية والفنيّة المكرّسة لهذه البلدان. زار غوتييه الجزائر في صيف 1845، ونشر عن رحلته إليها في المجّلات صفحات متفرّقة لم يجمعها في كتاب إلّا في 1865. ويبدو أنّه، في الوقت نفسه الذي يطمح فيه إلى إهدائنا رحلة مشوّقة وجذّابة للبلاد، يعِدنا برحلة مصوّرة، يرسم فيها بالكلمات مشاهد مرئيّة ومواقف معيشة، تفضيلاً لها على الانثيالات الشعورية المعتادة عن الفضاء الغريب وساكنيه. دائماً يعرب غوتييه في رحلاته عن ولع بالتفاصيل، تفاصيل دالّة كان هو شديد التربّص بها ومعتاداً على التقاطها برهافة. وتراه في هذه الرّحلة يقارن بين شوارع الجزائر وباريس، ويقرّب بين الأماكن الجزائرية ومشاهد مرسومة في لوحات غويا ورامبرانت ودولاكروا