لقد مرَّ على انطلاقة المركز الثقافي العربي أكثر من نصف قرن، شروعاً بمكتبة في الدار البيضاء، ثم تأسيسَ دار نشر بالاسم نفسه في بيروت، وقد قام المركز على فكرة الاهتمام بإطلاع القارئ في المشرق العربي على إنتاج مثقفي المغرب وأدبائه وفلاسفته، كما إطلاع قارئ المغرب العربي بإنتاج المشرق. وكذلك، الإسهام في خلق ثقافة جادة ومسؤولة وقادرة على مواجهة المشكلات الكبيرة في وطننا العربي، من دون اتخاذ مواقف متعصبة تودي بنا إلى تبني وجهة نظر دون أخرى، مع حرصنا على نشر الثقافة التي تكون الحداثة ومشاريع التحديث هي غايتها. اليوم، نأمل أن يكون جهدنا الذي بذلناه قد حقق جزءاً مما كنا نتمنى، فبعد هذه السنوات نرى أن مرحلة جديدة مطروحة علينا، إذ إننا إزاء حقبة من التحولات على شتى الصعد، ابتداء من خارطة الدول إلى السياسة والاقتصاد والعلم، تترافق مع تحولات على مستوى الفكر والفلسفة وكل العلوم الإنسانية. مفاهيم جديدة تتطلب معارف واكتشافات جديدة، تشكل تحديات وإشكاليات أمامنا اليوم. وهذا يستدعي منا مزيداً من الجهد لنكون جديرين بالإسهام في تشكيل آفاق ومفاهيم المرحلة القادمة وصياغتها وطرحها بأساليب ناجعة، فلا نكون مجرّد متلقّين أو مقلّدين أو رافضين. ونحن نأمل في المرحلة المقبلة أن ننشر أعمالاً جديدة تتجاوز بالمعرفة ما سبق إنتاجه وتُدخِل قيماً معرفية تجعل للإنتاج الفكري بالعربية دوراً مهماً في المجتمعات العربية وغيرها. وهنا نذكر بجهدنا الترجمي، في توصيل ثقافة الآخر غير العربي إلى يد القارئ العربي، بحيث نقلنا كثيراً من الروايات العالمية، وكذلك مجموعة لا بأس بها من الكتب الفكرية والمتخصصة في مجالات متعددة. وقد راعينا في ذلك أصول الترجمة، من شراء الحقوق حتى انتقاء المترجمين، ومراجعة الأعمال وتدقيقها وإصدارها على أفضل وجه. كما إننا حاولنا أن نستقطب جيلاً جديداً من القراء الشباب، فاعتنينا بأن ننشر لهذه الفئة بعضاً من الروايات المشوقة، تحببهم وتجذبهم إلى عالم القراءة والمطالعة الجادة للكتب. وفي مجال الرواية العربية، كان لنا إسهام بارز في الإضاءة على أسماء بعض الروائيين الشباب أو المحدثين في كتابة الرواية، وتجربتنا ناجحة معهم، بحيث إننا قد حصدنا عدداً لا بأس به من الجوائز اللامعة والعالمية. ولم يكن كل ما قمنا به ليُنجَز لولا الجهد الأساس الذي قام به الكتاب والمبدعون. فلكل اسم ضمّه هذا الموقع، وللأصدقاء القرّاء ومديري معارض الكتب وأصحاب المكتبات، فضلٌ يستحق مقابلتَه بالشكر والعرفان.